المغرب: خط المواجهة المنسي في أزمة المهاجرين

إنها نهاية فترة ما بعد الظهيرة على المنحدرات التي تغطيها الغابات في جبل سلوان. يمشي شباب من غرب أفريقيا في صف واحد أو مجموعات من الأصدقاء إلى أسفل التلال نحو الضواحي المتربة العشوائية لإحدى القرى المغربية.

يحمل الجميع تقريباً زجاجات مياه فارغة، ويعتبر ملء الزجاجات مجاناً من الصنابير الموجودة خارج عدد قليل من المتاجر العامة جزءاً من روتين حياتهم اليومية. ويأتون أيضاً للحصول على اتصال أفضل بشبكة الهاتف المحمول، لمتابعة صفحات الفيسبوك الخاصة بهم، وإجراء مكالمات إلى الوطن، أو التواصل مع الأصدقاء الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا.

وبحلول الليل، ستتحول تلك القرية الزراعية المتنامية والمكونة من شقق نصف مكتملة - ورجال محليين حذرين - مرة أخرى. سيرحل الرجال القادمون من غرب أفريقيا مرة أخرى إلى الأمان النسبي في الغابة، حيث يخيم أكثر من 1,000 مهاجر غير شرعي.

تقع القرية على بعد 20 كيلومتراً من مدينة الناضور في شمال شرق البلاد، على الحدود مع الميناء الإسباني مليلية، الذي يعتبر مدخلاً إلى أوروبا. هذا هو هدف الضيوف الموجودين في جبل سلوان: إنهم يراهنون على أنهم سيتمكنون من خلال الحظ أو الجرأة من إكمال الرحلة والحصول على حياة أفضل.

ولكن احتمالات الفشل كثيرة، فتخطي حرس الحدود المغربي، وثلاث طبقات من السياج الأمني، والأسلاك الشائكة، وأجهزة استشعار الحركة، وكاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة، وقوات الحرس المدني الإسبانية هو الآن أمر شبه مستحيل. منذ نهاية فبراير، لم تحدث سوى محاولة واحدة وانتهت بالفشل، عندما سقط رجل من فوق السور الذي يبلغ ارتفاعه تسعة أمتار، فانكسرت ساقه.

كان يمكن أن يصبح الوضع أسوأ. ففي العام الماضي، غرق 15 شخصاً عندما أطلقت قوات الحرس المدني الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على المهاجرين الذين حاولوا السباحة نحو كاسر الأمواج الذي يفصل المغرب عن الميناء الإسباني الآخر، سبتة. ونفى وزير الداخلية الإسباني مسؤولية رجاله عن حالات الوفاة.

يمكن للمهاجرين الذين يملكون المال استئجار قارب مقابل حوالي 1,500 دولار والإبحار عبر مضيق جبل طارق. ومقابل 5,000 دولار، يمكن تهريب شخص ما في صندوق سيارة مباشرة عبر معبر مليلية، وتخطي الحراس والماسحات الضوئية بالأشعة السينية، إذا حالفه الحظ - وهذا بُعد جديد لتقاليد تهريب الخمر القديمة.

ولكن لا يستطيع سوى قلة من الرجال والنساء الموجودين في مخيمات حول القرية تحمل تلك الأسعار. وأصبح المغرب، بالنسبة لهم، هو نهاية رحلة يمكن أن تستغرق عاماً بأكمله. إنها وجهة غير مرغوب فيها، ولا تبعد سوى بضعة كيلومترات محبطة عن هدفهم.

"العودة ليست سهلة، والذهاب إلى أوروبا ليس سهلاً، والبقاء هنا ليس سهلاً،" كما يقول بيغي، وهو مهاجر نيجيري يبلغ من العمر 31 عاماً، بعد أن قضى في المغرب أربع سنوات. قال هذا الشاب ذو الضفائر المصففة بدقة ويقترب طول قامته من مترين، أنه يحمل ندوباً من الضرب الذي تلقاه على أيدي حرس الحدود المغاربة والإسبان. وقد حاول تسلق السياج أو عبور الحدود إلى إسبانيا في قارب وفشل مرات عديدة.

وأوضح ساي مامادو الأمين، الذي كان حتى قبل أربع سنوات يعمل مدرساً للرياضيات في غينيا: "ينشغل كل مهاجر بكيفية الخروج من المغرب، إذ لا يستطيع المهاجر في هذا البلد أن يكسب [ما يكفي من المال] لمساعدة عائلته [في الوطن]. إنه بلد لا يجد فيه الشباب المغاربة وظائف، ناهيك عنّا نحن".

تم تطهير جبل كوركو، الذي يطل على مدينة مليلية الإسبانية من المهاجرين بواسطة قوات الشرطة في شهر فبراير

تم تطهير جبل كوركو، الذي يطل على مدينة مليلية الإسبانية من المهاجرين بواسطة قوات الشرطة في شهر فبراير

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب كان تاريخياً بلد عبور للمهاجرين، فضلاً عن كونه مصدراً لنحو 3.4 مليون مهاجر.

لكنه أصبح بالنسبة للآلاف من الوافدين كل عام من أفريقيا جنوب الصحراء، نقطة اختناق تعرقل التدفق عبر البحر الأبيض المتوسط، نظراً للضغوط التي تفرضها الحكومتان المغربية والإسبانية اللتان تعملان جنباً إلى جنب لوقف العبور إلى أوروبا.

ويعتبر الممر المغربي هو أحد الطرق الرئيسية التي تربط بين أفريقيا وأوروبا، ولكنه الآن الأقل استخداماً. ووفقاً للسلطات الإسبانية، وصل 4,043 "مهاجراً غير شرعي" إلى إسبانيا من المغرب في عام 2014، مقارنة بـ 170,664 عبروا البحر المتوسط إلى إيطاليا ومالطا.

وتعتبر مدينة الناضور صعبة بشكل خاص على المهاجرين. "نحن على خط المواجهة،" كما أوضح هشام عرود، وهو مغربي يعمل في جمعية ثسغناس للثقافة والتنمية (ASTICUDE)، وهي منظمة غير حكومية محلية معنية بحقوق الإنسان. وأضاف أن "استراتيجية قوات الأمن في الناضور، تحت ضغط من الاتحاد الأوروبي وإسبانيا، هي إبعاد المهاجرين عن الحدود".

وفي 10 فبراير، اجتاحت الشرطة جبل كوركو المطل على مليلية واعتدت بالضرب على ما يقدر بنحو 1,200 مهاجر وألقت القبض عليهم. كما أحرقوا خيامهم وممتلكاتهم القليلة، ووضعوهم في حافلات متجهة إلى الجنوب، وألقوا بهم خارج مدن الرباط وفاس والدار البيضاء. وتحت ضغط من جماعات حقوق الإنسان، لم تعد الشرطة تُرّحلهم إلى الحدود مع الجزائر، كما كانت تفعل في الماضي.

وقد دفع تحذير من الحكومة المغربية بتفكيك مخيمات المهاجرين الأخرى، بما في ذلك تلك المحيطة بسلوان وسبتة، أكثر من 600 مهاجر يائس إلى الإسراع نحو سياج مليلية في اليوم نفسه - ونجح 35 منهم فقط في الوصول إلى إسبانيا، وفقاً للسلطات الإسبانية.

وينتشر 12 مخيماً مؤقتاً للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في التلال الجافة والكلسية التي يتكون منها جبل سلوان.

ويعتبر التسلق على تلك المنحدرات بمثابة دراسة لآثار الهجرة: خيام تم التخلي عنها في السنوات الماضية، وأحذية، وقطع من الملابس، ومسدس ماء للأطفال، وأثقال مصنوعة من الزجاجات البلاستيكية.

وكل مخيم على الأرض الحجرية هو عبارة عن مجموعة من المخيمات المصنوعة من مواد طبيعية والمغطاة بأغطية بلاستيكية وبطانيات والمقامة بين مجموعة من الأشجار. يقوم بعض المهاجرين بتجميع ملاجئهم معاً، بينما يفضل البعض الآخر العزلة - مما يجعل من الصعب على قوات الأمن المغربية القبض الجميع على حين غرة.

وتنقسم المخيمات تقريباً إلى أقسام تتحدث الفرنسية وأخرى ناطقة بالانجليزية، ثم حسب البلاد، وتنقسم مرة أخرى عرقياً. ولكن الفواصل واهية: يتجمع الناس ببساطة على أساس الصداقات. ووسط مجموعة من عرقية إيبو من جنوب شرق نيجيريا، على سبيل المثال، كان هناك أشخاص من الكاميرون يتحدثون اللغة الفرنسية.

تعتبر هذه المخيمات بلا قانون في نظر المجتمع المغربي، ولكن لكل منها نظامه الخاص. ويعتبر مجتمع الإيبو النيجيري من بين المجتمعات الأكثر تنظيماً، حيث يتجمعون تحت راية الاتحادات القروية أو الإقليمية التقليدية التي تعتمد على المساعدة الذاتية، ويتم نسخها في الخارج أينما يسافر أفراد قبائل الإيبو.

هناك لجان للرعاية - تخصص الخيام للوافدين الجدد، على سبيل المثال - والانضباط. وعقاب السرقة هو الجلد على يدي "شخص بحجم بيغي"، كما يقول "نيقوديموس"، الذي يحاول كمحتال حقيقي تمييز نفسه عن المهاجرين النيجيريين الذين يشكلون الأغلبية من حوله عن طريق الزعم بأنه لاجئ من سيراليون (ولكن لا أحد يصدقه).

وتوجد حانات في أعماق غابات سلوان - وحتى "فندق" مكون من الخيام - في منطقة تعرف باسم "بولينغو" (وهي كلمة تعني "الحب" بلغة اللينجالا الكونغولية). وهناك بغاء، حيث تقدم بعض النساء الخدمات الجنسية للرجال المغاربة والمهاجرين مقابل المال.

ويرد ذكر الاتجار بالنساء، خصوصاً النيجيريات، في كل تقرير عن الهجرة إلى المغرب ومنها إلى أوروبا تقريباً.

واشتملت دراسة حديثة أجرتها شركة الاستشارات التاي (Altai) على ادعاء مذهل بأن النساء النيجيريات اللاتي يتم الاتجار بهن تخضعن للسيطرة طوال الرحلة من خلال التهديد باستخدام السحر الأسود ضد أسرهم. ولكن أخصائية علم النفس المودينا فاكيرو، التي تعمل مع وفد الهجرة من أبرشية طنجة، تشكك في الافتراض المُعمم بأن جميع النساء يتم استغلالهن وليس لديهن سيطرة على حياتهن.

وأخبرتني أنه "داخل كل مخيم، توجد صورة مصغرة مختلفة. كون الشخص امرأة ليس أسهل، ولكن في بعض الأحيان، ليس من الضروري أن يكون أكثر صعوبة أيضاً".

وقال الرجال النيجيريون الذين تحدثت إليهم أن النساء يتعرضن للخطر أثناء الرحلة، ولذلك عادة ما يبحثن عن "راع" يوفر لهن الدعم المالي، أو رجل يرافقهن. "عادة ما تأتي فتاة إلى المدينة بتمويل من شخص ما،" كما أوضح إيهاما، وهو متطوع في جمعية ثسغناس للثقافة والتنمية.

إذا أصبحت حاملاً، أو دخلت في علاقة مع رجل، "عندئذ تصبح الفتاة مسؤوليتك ويجب عليك أن تدفع [للراعي] الأموال المستخدمة لنقلها،" كما أضاف. وتصر الأدبيات على وجود ترتيب أكثر خبثاً، تخضع فيه المرأة لعبودية الدَين مقابل نفقات رحلتها، ويجب عليها تسديده - والطريقة الأكثر شيوعاً هي العمل في مجال الجنس.

وتهدف ايكواس، وهي منظمة شاملة تخدم جميع المهاجرين - في إشارة ساخرة إلى الجماعة الاقتصادية الحكومية لدول غرب أفريقيا - إلى الحفاظ على السلام بين المهاجرين، وتنظيم العلاقات مع المجتمعات المضيفة، كما يقول إيهاما، الذي يعمل في المغرب منذ 15 عاماً.

كما أنها تلعب دوراً في تنسيق الهروب. على جبل كوركو المطل على ميناء مليلية الإسباني، يتدرب الناس على تسلق السياج، وصنع السلالم وخطاطيف التسلق اليدوية. لقد أزالتها الشرطة إلى حد كبير خلال مداهمة عنيفة في فبراير الماضي، ولكن الناس لا يزالون هناك لاستطلاع نقاط الضعف المحتملة في أمن السياج.

ويقول الأمين، مدرس الرياضيات الغيني: "نحن نعرف أن تسلق السور مستحيل، لكننا ما زلنا نأمل أن تكون لدينا فرصة في يوم من الأيام. ويذهب الناس كل يوم لمعرفة ما اذا كان بمقدورهم إيجاد وسيلة لاختراقه".

عادة ما يُنظر إلى المغرب باعتباره شرطة درك "يتم التعاقد معها من الخارج" لحماية جنوب أوروبا - وشريك استراتيجي رئيسي.

وقد وقّع المغرب مع الاتحاد الأوروبي مجموعة من الاتفاقيات التي تهدف إلى تعزيز أمن الحدود - وكوفئ في المقابل بتمويل يصل إلى ملايين الدولارات. وفي عام 2006، قدم الاتحاد الأوروبي وحده 80 مليون دولار لإدارة الحدود.

وتصف الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان ذلك بأنه "منطق المانح/المستفيد" حيث تصبح "المساعدات الاقتصادية وتسهيل الحصول على التأشيرات مشروطة بقدرة المغرب على السيطرة على تدفقات الهجرة بشكل فعال". ولكن هذه العلاقة أكثر تعقيداً من ذلك.

لا تريد إسبانيا والاتحاد الأوروبي ترك جهات خارجية تحرس أمن الحدود، وكان المغرب أول دولة من دول حوض البحر المتوسط توقع اتفاق شراكة من أجل التنقل مع الاتحاد الأوروبي، وهو جزء من سياسة الجوار الأوروبية، يهدف إلى تعزيز "النهج العالمي للهجرة والتنقل" - ويسعى أساساً إلى السيطرة على الهجرة غير النظامية.

لكن المغرب رفض التوقيع على اتفاق إعادة قبول المهاجرين كجزء من الشراكة من أجل التنقل، لأن مثل هذا الاتفاق سيعني أنه لن يسمح فقط بعودة مواطنيه المقيمين أو الذين دخلوا إلى الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني، ولكن سيسمح أيضاً بعودة غير المواطنين التي يسافرون عبر المغرب.

"المغرب لا يفعل ما يطلبه الاتحاد الأوروبي فقط - هذا تبسيط شديد،" كما تقول كاميل دينيس من مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن الأجانب والمهاجرين (GADEM) وهي منظمة غير حكومية معنية بحقوق المهاجرين. وأشارت إلى أن مفاوضات إعادة قبول المهاجرين مازالت مستمرة منذ عام 2000.

والجدير بالذكر أن المغرب شريك استراتيجي أساسي للاتحاد الأوروبي في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وتجري حالياً مناقشة اتفاق للتجارة الحرة، كما يتم توسيع ميناء الناضور في شمال البلاد، والروابط مع إسبانيا قوية بشكل استثنائي.

وقال ناشط إسباني يعمل في مجال حقوق الإنسان مع جمعية خيرية دينية في الناضور طلب عدم الكشف عن اسمه: "إسبانيا لا تنتقد المغرب أبداً بشأن مسألة المهاجرين. هناك تواطؤ اقتصادي: يسعى المغرب لبيع منتجاته الزراعية في أوروبا، وبرتقاله من الناضور، والشركات الإسبانية تأتي إلى المغرب بحثاً عن أسواق جديدة نتيجة للانكماش الاقتصادي في بلادها".

تساور الرجال والنساء القليلات في الغابات التي تقع فوق القرية شكوك في نوايا الزوار، ويصابون بالذعر من احتمال التعرف عليهم، ودائماً ما يخشون الحملات التي تشنها الشرطة.

"إذا كنت في أوروبا، لأمكنك أن تلتقط صورتي وتبين وجهي بلا مشكلة، لأنني سأكون قد نجحت في الوصول إليها. كنت سأريد أن تعرف عائلتي في الوطن ذلك،" كما أفاد أوستن، وهو رجل يتمتع بروح الدعابة ولكنه قوي البنية وجاد للغاية بشأن عدم التقاط أي صور له.

استغرقت رحلة معظمهم عدة شهور، وفي بعض الحالات أكثر من سنة، للوصول إلى هنا، وسافروا من أماكن مثل نيجيريا بجواز سفر مزور عبر النيجر أو مالي إلى الجزائر، ومن ثم عبروا الحدود المغلقة رسمياً إلى المغرب. ويقول بيغي أن زمن الرحلة "يعتمد على جيبك".

ولذلك، فإن غالبيتهم غير مستعدين للاستقرار في المغرب ويفضلون الاستمرار في رحلتهم، على الرغم من المخاطر. ويقول بيغي: "أنا لا أريد أن أتذوق ما في المغرب. أريد أن أعاني [المشاق] بأكملها وأنتهي من هذا الأمر".

من جانبه، يقول عرود: "إذا كنت في المغرب، فإنك لم تحقق سوى 20 بالمائة من هدفك. وإذا وصلت إلى أوروبا، ستكون قد حققت 80 بالمائة" من هدف إقامة حياة جديدة. "لا أحد يريد أن يخاطر باحتمال القبض عليه وإلقاءه على الحدود مع الجزائر."

ويجد العديد من المهاجرين وظائف على الطريق لدفع ثمن كل مرحلة من مراحل الرحلة، بما في ذلك الرشاوى اللازمة لرجال الشرطة والمسؤولين. تعرض بيغي، مثل كثيرين آخرين تحدثت إليهم، للاحتيال وفقد ماله خلال الرحلة. وكما يمكن أن يحدث أيضاً، تلقى مساعدة أثناء الرحلة من شبان آخرين يتجهون إلى الشمال.

والآن، بعد أن وصلوا إلى جبل سلوان، يحاول الرجال جمع أموالهم معاً، وإجراء اتصالات مع الناس الذين يمكن أن يساعدوهم، أو يستعدون للعودة إلى الجزائر للبحث عن عمل، وإذا حالفهم الحظ، سيعودون بما يكفي من المال لاستئجار قارب. ولكن هذا التفاخر يبدو بلا معنى.

ويقول نيقوديموس: "قيل لي أن أوروبا هي أرض اللبن والعسل، ولكنني لم أكن أعرف أن الوصول إليها سيكون بهذه الصعوبة. يجب أن يتوقف المغرب عن إعاقتنا. لا أستطيع أن أعود مرة أخرى دون نجاح. وإذا نظرت في عيني أمي الآن، سوف تصاب بأزمة قلبية".

ويوجد ما يقدر بنحو 30,000 إلى 40,000 مهاجر غير شرعيين في المغرب، ويأتي غالبيتهم من الكاميرون ونيجيريا وغينيا والسنغال ومالي وساحل العاج. بالإضافة إلى ذلك، سجلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 3,580 شخصاً تعتبرهم مدعاة للقلق، معظمهم من سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج.

ويقول فيكتوري إيدادا، الذي درس القانون لمدة سنتين في بلده نيجيريا: "عليك أن تفهم شيئاً، لم يغادر جميع المهاجرين بلادهم نتيجة للحرب أو القضايا السياسية. لقد جاء كثيرون منا هنا لمساعدة أسرنا. وهناك أيضاً معايير أخرى، أذكر من بينها: القدر، والطاقة، والرغبة في المضي قدماً".

إنها "هجرة طموحة" تحفز على قطع رحلة طويلة وغالباً ما تكون مؤلمة نفسياً، والقدرة على تحمل ظروف الإقامة الصعبة في المغرب، وأولئك الذين تغلبوا على تحديات هذا الطريق لا ينبغي أن يكونوا أقل استحقاقاً للحماية، وفقاً لدينيس من مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن الأجانب والمهاجرين.

وفي عام 2013، أقدمت الحكومة على إجراء تغيير دراماتيكي في سياسة الهجرة، بغرض الابتعاد عن النهج المتشدد الذي يركز على الأمن وتدشين إصلاحات كبيرة في السياسات.

وتحت ضغط من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، والحرج الناجم عن النقد اللاذع في الأمم المتحدة، قبل الملك محمد السادس توصيات من المجلس الوطني لحقوق الإنسان - بما في ذلك اقتراح بشأن تسوية مؤقتة لأوضاع جميع المهاجرين غير الشرعيين ووضع حد للترحيل التعسفي إلى الحدود الجزائرية.

وتعهد أيضاً بتبني سياسة إدماج المهاجرين في المغرب، ويُعد هذ اعترافاً واسع الأثر بأن ديناميات الهجرة آخذة في التغير، وأن المغرب لم يعد مجرد بلد عبور. لكن التمويل اللازم لتنفيذ مثل هذا البرنامج كان محدوداً، ولا تزال قوانين العمل الصارمة القائمة على مبدأ "المغاربة أولاً" بلا تغيير.

ويُنظر إلى هذه الإصلاحات على نطاق واسع "باعتبارها تأكيداً للاستقلال ورفضاً للانصياع لرغبات الاتحاد الأوروبي،" كما أشار هين دي هاس من معهد الهجرة الدولية، مضيفاً: "قد تكون الإصلاحات أيضاً مفيدة في تقوية علاقات المغرب الاستراتيجية مع الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى".

هناك تفاعل محدود بين المغاربة والمهاجرين

هناك تفاعل محدود بين المغاربة والمهاجرين

ويعزز المغرب مصالحه السياسية والتجارية في غرب أفريقيا، ويرجع ذلك جزئياً إلى مطالبته بالسيادة على الصحراء الغربية. وقد ازدادت علاقته الطويلة مع السنغال صلابة بعد حصول المهاجرين السنغاليين على الجزء الأكبر من التصاريح القانونية، بعد المتقدمين السوريين.

ولكن التنفيذ من قبل الحكومة المغربية كان أقل راديكالية، ويرجع ذلك جزئياً إلى الشروط المنصوص عليها. وبعد التحري، تمت تسوية أوضاع أقل من 18,000 مهاجر غير شرعي قبل بداية هذا العام، من أصل 27,000 تقدموا بطلبات - على الرغم من أن إحدى الخطوات المستنيرة هي اعتبار جميع النساء مؤهلات بغض النظر عن ظروفهن. لكن جماعات حقوق الانسان تقول أن 5,000 من المهاجرين الذين تمت تسوية أوضاعهم القانونية كانوا سوريين يجب تصنيفهم كلاجئين أو طالبي لجوء.

وبرنامج تسوية الأوضاع القانونية - كما تطبقه الحكومة - ليس مخصصاً للرجال في الجبال المحيطة بالناضور. فقد تم منح 100 مهاجر فقط في منطقة الناضور بأكملها تصاريح إقامة مؤقتة، وكان من بينهم ثلاثة رجال فقط، وكان واحد من هؤلاء لاعب كرة قدم محترف.

ومن المرجح أن يكون المستفيدون من بطاقة الإقامة لمدة عام واحد من الطلاب الباحثين عن العمل، أو الخادمات الفلبينيات اللاتي يعملن لدى الطبقة المتوسطة المتنامية في المغرب، واللاتي دخلن البلاد بشكل قانوني، ولكن صلاحية تأشيراتهن قد انتهت.

وفسرت دينيس ذلك قائلة: "الناس هنا يعتقدون أن كل الأشخاص من أفريقيا جنوب الصحراء يعبرون [الحدود الجزائرية براً] إلى وجدة، لكي يقيموا كمهاجرين غير شرعيين، لكن هذا ليس صحيحاً. يصل كثيرون منهم عبر المطار، ولكنهم يتجاوزون فترة تأشيرات دخولهم بسبب صعوبة الحصول على وثائق وسياسة تشغيل المغاربة أولاً".

وأضافت أنه "من المهم أن نلاحظ أن عدد الأوروبيين الموجودين هنا بشكل غير قانوني أكبر بكثير من الأفارقة من جنوب الصحراء. عادة ما يشغل الأوروبيون وظائف أثناء إقامتهم بتأشيرات سياحية، لكنهم يستطيعون الذهاب إلى إسبانيا مرة كل ثلاثة أشهر، ثم يعودون".

وتوجد بعض الأعمال غير الرسمية التي يمكن القيام بها في المغرب، كما هو الحال في صناعة البناء والتشييد، ولكن الفرص ضئيلة أمام الناطقين بالانجليزية، واحتمالات استغلالهم مرتفعة. لذا، يضطر معظم المهاجرين إلى التسول في الشوارع من أجل البقاء على قيد الحياة.

ويوفر عدد قليل من المنظمات غير الحكومية كميات قليلة من الطعام والأغطية البلاستيكية. وحسبما ذكر بيغي، هناك أيضاً اقتصاد صغير تحت الأرض قائم على أساس احتيال "غسل الأموال" المزيفة وبعض الإتجار في الكوكايين.

ويوفر العيش في سلوان ميزة الحرية، ولكن حتى لو أراد المهاجرون البقاء في الناضور، سيكون من الصعب استئجار منزل من شخص محلي - وسيتعرضون لمضايقات مستمرة من قبل الشرطة. وفي هذا الصدد، يقول عرود: "في الناضور، نحن لسنا عرباً، بل أمازيغ [بربر]. ولأسباب تاريخية، نحن متحفظون، ولسنا منفتحين كثيراً على الأجانب".

ويزدري بيغي فكرة تقنين وضعه والبقاء في المغرب - فهدفه هو أوروبا وفرصة لكسب المال من أجل أسرته. وقال لي: "كل شيء على هذا الطريق سيء. سوف يقلبك المغرب [رأساً على عقب]، لكن من هنا، يمكننا أن نرى أضواء [مليلية] والتخطيط مستمر".

وفي نهاية فترة ما بعد الظهيرة، تتجمع مجموعة من رجال الإيبو لإعداد وجبة العشاء: الأرز وحساء الطماطم البسيط. ويسكبون جرعات من الفودكا الرخيصة في زجاجات المياه البلاستيكية المنشورة التي يستخدمونها ككؤوس.

ويصر هؤلاء الرجال على عدم وجود فرص لهم في نيجيريا؛ وأن الحكومة الجديدة التي تم انتخابها هذا العام - بقيادة محمد بخاري - ستكون مثل الحكومة السابقة تماماً؛ والهجرة هي حق من الحقوق - "لقد درسناها على أيدي الأوروبيين [بالقدوم إلى أفريقيا]،" كما يقول أحد الرجال.

إنهم على استعداد للقيام بالوظائف الأكثر وضاعة طالما أنهم سيحصلون على أجورهم باليورو – فعند تحويله إلى نايرا نيجيرىة "يصبح أموالاً طائلة". ولا يكترثون بالعنصرية وصعود الأحزاب اليمينية في أوروبا.

وعادة ما يصور الخيال الشعبي المغربي جميع الأفارقة على أنهم "مجرمون مرضى، والنساء على أنهن عاملات في تجارة الجنس،" كما أوضح عرود من جمعية ثسغناس للثقافة والتنمية.

وكان العنوان الرئيسي السيء السمعة على غلاف الصحيفة الأسبوعية ماروك إبدو في نوفمبر 2012 هو "الخطر الأسود".

وعلى الرغم من أن هناك محاولات متزايدة بقيادة الدولة على ما يبدو لتعزيز الادماج، فإن "التفاعلات الاجتماعية بين المهاجرين والمغاربة لا تزال محدودة،" كما أشارت كاثرينا ناتر من معهد الهجرة الدولية في جامعة أكسفورد.

وفي الشهر الماضي، توفي مهاجر واحد وأصيب آخر بجروح خطيرة عندما طردت الشرطة غير المواطنين من حي بوخالف في مدينة طنجة الساحلية. وأجبرت المعتقلين على ركوب حافلتين متجهتين جنوباً إلى الرباط وتارودانت.

وقد أدانت مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن الأجانب والمهاجرين الإخلاء "التمييزي" والمقالات "البغيضة" التي نُشرت على شبكة الإنترنت قبل بضعة أسابيع من حملة الشرطة والهجوم على المهاجرين. وقال بيان لها أنها تشعر بالقلق إزاء "المناخ غير المتسامح بصورة متزايدة في المغرب، فضلاً عن الكراهية الموجهة نحو غير المواطنين من ذوي البشرة السوداء".

وأضاف البيان أنه يبدو أن السلطات المغربية "تفترض أن كل السكان السود في حي بوخالف يحتلون المساكن بغير حق، على الرغم من أن بعضهم مستأجرون قانونيون أو على الأقل لديهم اتفاقات غير رسمية مع أصحاب العقارات".

والجدير بالذكر أن طالباً سنغالياً قُتل في طنجة العام الماضي بسبب التوتر بين المجتمعات المحلية والمهاجرين.

إن تسوية الأوضاع القانونية هي خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن القضية الأكثر أهمية هي عدم تطبيق معايير حقوق الإنسان على المهاجرين - التي يتوجب على إسبانيا والاتحاد الأوروبي أيضاً التمسك بها.

ويشير الناشط الإسباني في مجال حقوق الإنسان إلى عدم شرعية السياسة الإسبانية المتعلقة بإعادة المهاجرين إلى المغرب بموجب القانون الدولي، والاستخدام "غير المتناسب على الاطلاق" للعنف من قبل قوات الأمن على جانبي الحدود، ونقل المعتقلين في المغرب بالحافلات إلى مدن في جنوب غرب البلاد، بغض النظر عما إذا كان لديهم وضع لاجئ أو تقدموا بطلب لجوء.

وأخبرني أنه "لا يمكن استخدام توفيق الأوضاع لإخفاء عدم احترام حقوق الإنسان. إن الضغط المستمر من إسبانيا وأوروبا يحدد استجابة المغرب السياسية تجاه المهاجرين".

هناك تناقض بين ليبرالية الإصلاحات التي أعلن عنها الملك والغارة التي شنتها الشرطة على مخيمات المهاجرين في جبل كوركو، والبيانات الرسمية عن "تطهير" الحدود الشمالية، والبروتوكولات الأمنية مع إسبانيا التي تزداد صرامة طوال الوقت، كما أشارت ناتر.

وقد أعلنت الحكومة في شهر فبراير الماضي أن جميع تصريحات الإقامة المؤقتة سيتم تمديدها تلقائياً عندما تنتهي صلاحيتها، ولكن عرود لا يعتقد أن الحكومة سوف تسمح بإجراء جولة جديدة من تسوية الأوضاع القانونية للمتقدمين الجدد، أو إعادة النظر في الحالات التي تم رفضها في العام الماضي من قبل محاكم التدقيق الغامضة.

وقال لي: "أعتقد أن الأمر قد حُسم - إذا أصدر الملك عفواً عاماً، سيكون هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدماً. لقد حددت هذه الحكومة الإسلامية معايير تسوية الأوضاع القانونية. إنها حكومة عنصرية، وتعتقد أن جميع المهاجرين مسيحيون وتخاف منهم".

ولكن الهجرة هي أيضاً قضية سياسية داخلية، وقد كانت الإصلاحات واللغة الجديدة عن "الإدماج" مفاجئة في بلد كان يصور المهاجرين على أنهم يشكلون تهديداً له.

ولم يتم تحديد موعد في البرلمان بعد لدراسة اثنين من القوانين المهمة الجديدة بشأن الهجرة واللجوء - اللذين من المتوقع أن يدمجا نهج السياسات.

وترى ناتر أن الارتباك بشأن أسلوب المضي قدماً يعكس "سمة الغموض في سياسات الهجرة المغربية، التي تسعى لإرضاء الأوروبيين والأفارقة ومصالح السياسة الداخلية في آن واحد".

من جانبها، تقول فاكيرو أخصائية علم النفس أن الإحباط الناجم عن الانتظار اللا نهائي تقريباً، والقلق الناتج عن الفقر والظروف المحيطة هما اثنان من الأعباء الشائعة التي يتحملها المهاجرون.

وتقول: "أنا مندهشة حقاً من مدى قوتهم [العقلية]. عندما يغادرون بلدانهم، يعتقدون أنهم يجب أن يفعلوا كل ما يتعين عليهم القيام به [للوصول إلى وجهتهم]. ولا يتراجعون خطوة واحدة إلا عندما تخور قواهم تماماً. وهم لا يقاتلون من أجل حلم مستحيل ... من المهم أن نمنحهم الأمل لأن الانهيار هنا [حيث خدمات الصحة العقلية محدودة] يختلف تماماً عن الانهيار في إيطاليا".

وتقبع تحت تظاهر الرجال الموجودين على جبل سلوان بالجرأة والشجاعة - مبدأ "لا استسلام" و"البقاء للأقوى" - رغبة في تحقيق حلم السنوات الضائعة. وعادة ما تبدأ تلك المحادثات بعبارة "لو كنت أعلم ..."، وبعد سلسلة من المحن، فإن الاستنتاج النهائي يكون على الدوام هو الاعتراف على مضض بأن الرحلة لم تكن تستحق كل هذا الألم.

ولكن أيضاً أنه لن تكون هناك عودة إلى الوراء.

وفي هذا السياق، يقول أرنولد: "لن أقول أنني ارتكبت خطأ، لأن الحياة مدرسة. لدينا اعتقاد بأننا سوف نصل إلى أوروبا، وإذا لم نحققه، فلن يهدأ لنا بال أبداً".

وهناك تضامن بين المهاجرين، فهم يتوقون إلى نجاح أي منهم في الوصول إلى أوروبا. "إن هذا مفيد للروح المعنوية. إذا قضيت شهراً أو شهرين دون أن يعبر أحد، سترى الجميع يصابون بالاكتئاب. ولكن إذا سمعت أن شخصاً ما كنت معه بالأمس أصبح في أوروبا الآن، فإن هذا يثبت لك أنك تستطيع أن تنجح أيضاً،" كما أفاد الأمين.

oa/ha-ais/dvh